أن ترضى: هو القبول
-هل أثقلت عليك الهموم؟ وتكالبت عليك الأحزان؟ هل تظن أن مشاكلك بلا حلول؟
هل تريد من يقدم لك يد العون؟
(أشار برأسه المدلاة من رقبته إلى أسفل بالإيجاب)
-ها هي ممدودة…ألا تراها!
أنا لا أرى شيئا.
-كيف؟ ها هي أمامك، يدك اليمنى واليسرى، ها هما يدان اثنان، يدى العون.
هل تقصدين أن أساعد نفسي؟ لا أستطيع.
-و لماذا لا تستطيع؟ ألا تعلم أن نفسك هذه أمانة عندك؟ لماذا تتركها تعاني هكذا؟
وهل لي حيلة في ذلك؟
-بالطبع لك حيل كثيرة وليست حيلة واحدة؟ أتريد أن أدلك عليها؟
لا أظن ذلك يجدى، فإن الألم الذي أعانيه أقوى من كل الحيل.
-هناك فرق بين الألم الذي تشعر به، والمعاناة التي أصبحت تعيشها.
كيف ذلك؟
-سأقول لك كيف.
أن تشعر بالحزن، الفقد، الألم فذلك شعور طبيعى، لا تلوم فيه نفسك، و لكن أن تحول مشاعرك هذه الى معاناة تعيشها، هذا ما لا ينبغي عليك فعله.
كيف يتحول الألم إلى معاناة؟
يتحول الألم الى معاناة حين ترفض هذا الألم ولا تقبله، حين ترفض أن تعيشه فيعيش فيك رغما عنك ولا يمكنك الفرار منه.
حينما يواجهك الألم أو مسبباته فعندك في مواجهته أربعة حيل، وهذا أوردته د. مارشا لينهن في أساسيات العلاج الجدلي السلوكي، وهذه الحيل كالآتي:
أولا: أن يكون في يديك حلا
شيء يمكنك إن فعلته أن تقضى على مسببات الألم، وبذلك تتخلص من هذا الشعور.
ولكن ماذا إن لم يكن في يديك حلا، بل هناك شئ أكبر من قدراتك أو بعيدا عن دائرة تحكمك يؤلمك و يؤثر على حياتك؟ إذن فلتجرب الحيلة الثانية.
ثانيا: هل جربت أن تغير مشاعرك تجاه المشكلة الأساسية المسببة لشعورك بالألم؟
هل يمكنك أن تغير نظرتك لها؟هل يمكنك أن ترى لها أية آثار إيجابية على نفسك وحياتك؟ قد تستطيع وقد لا تستطيع أن تراها إلا مؤلمة، و حينها لا يكون أمامك إلا الحيلة الثالثة.
ثالثا: ما زال في جعبتك الحيلة الناجحة و العلاج النافع فلا تيأس، مارأيك أن ترضى؟
نعم أن ترضى بالوضع الحالي الذي يؤلمك و لا تحبه هو الحل لمشكلتك، أن تقبل الوضع الراهن بكل مساوئه، و هذا القبول يجب أن يكون قبولا حقيقيا، بمعنى أن عقلك راض غير رافض و لا منكر للواقع، و قلبك راض مستسلم لقدر الله.
حين ترضى تشعر بالتحرر من المعاناة ويكون ألمك مجرد شعور سوف يأخذ وقته ثم ينتهي يوما من الأيام، لكنه لا يؤثر على حياتك بأكملها، و لا يمنعك من الإحساس بالنعم الأخرى التي تحوطك، و لا يمنعك من الشعور بالامتنان.
كيف أرضى؟
هناك خطوات يمكنك فعلها حتى ترضى و تروض نفسك على القبول:
- أولها أن تلاحظ نفسك جيدا وتلاحظ علامات رفض الواقع التي تفعلها أو الأفكار الرافضة المسيطرة على تفكيرك.
- ثم يليها خطوة القرار، تقف مع نفسك وقفة تعلمها بقرارك ولا تتراجع عنه، (سوف أرضى).
- ثم تجاهد نفسك ورغباتها التي تمليها عليك، خاصة الرغبات التى تسير بك مجددا في طريق الرفض والإنكار.
- وأخيرا، أترك نفسك للحزن…..نعم، لا تخشى على نفسك منه، فهو سبيلك للقبول، أحيانا تكون أحسن الوسائل مع مشاعر الحزن والألم والفقد، أن تضع يدك عليها، تعرفها جيدا، ثم تربت عليها بيد حانية، تترك لنفسك مساحة و حرية أن تحزن حتى ينقضي هذا الشعور، فهو لن يتركك حتى يأخذ نصيبه منك، أتركه له، دعه يمر بحياتك في سلام، و اعلم أنه سينقضي في يوم من الأيام.
تجديد الرضى
والآن بعد أن ترضى، وتترك نفسك لمشاعر الحزن حتى تنقضي، جدد رضاك دائما، ذكر نفسك دائما برضاك و قبولك لنفسك و حياتك و واقعك الذي تعيشه، شعور الرضى يحتاج دوما إلى التذكير(و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
أما إذا كنت في انتظار الحيلة الرابعة لحل المشكلة ومواجهة الألم، فهي حيلة من لا حيلة له، أن تترك نفسك للمعاناة طوال حياتك وتظل في صراع مع الحزن، رافضا للوضع الحالي، وهو ما لا ينبغي عليك فعله أبدا.
لا تدع الحزن يمنعك من الشعور بالنعم التى تحوطك – دعه يمر بسلام (عين العقل)
بسم الله الرحمن الرحيم واستعينوا بالصبر والصلاه ان الله مع الصابرين
نسأل الله أن يملأ قلوبنا رضا
بسم الله الرحمن الرحيم واستعينوا بالصبر والصلاه ان الله مع الصابرين