في المقالات السابقة (الحب أولا) و (طلب العلا) تعرفنا على بعض أولويات الحياة التي يمكن ان تكون عند بعض الناس، وفي هذا المقال نتعرف على أولوية أخرى قد يتبناها البعض للحصول على الشعور بالقيمة والأمان.
غايتنا الكمال
هناك بعض الناس لا ترتاح إلا بالسعي وراء الكمال (perfectionism)، في كل شئ يفعلونه، لا يقبلون الأخطاء أو الهفوات، يتملكهم حب السيطرة على زمام الأمور، و عدم حيد الحياة عن الخطة المرسومة لها تماما.
في الحقيقة، هؤلاء الناس من أكثر الناس إتقانا للعمل، و هم أهل للثقة، يحبون الإنضباط في المواعيد، و يميزهم الدقة في تنفيذ المشاريع و المهام، لكن سعيهم للكمال قد يمتد إلى أشياء أخرى يكون الكمال فيها مستحيلا ويكون السعى وراءه نوعا من التضييق و التزمت، كيف يكون ذلك؟
السعي وراء الكمال (perfectionism) في العلاقات الإجتماعية، و الأعمال التي تتعلق بالأمور الحسية و المشاعر هو درب من دروب الخيال، فلا يمكن التحكم فيما يشعر به الآخرون، و لا يمكن التحكم في ردود أفعالهم تجاهنا.
كما أن دائرة التحكم و السيطرة خاصة كل إنسان هي ضيقة جدا، إن دققنا النظر، فإننا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان، مضطرين إلى قبول الحلول الوسط، وتغيير الخطط، كما أنه يجب أن يكون لدينا كثير من المرونة في تنفيذ المطلوب.
الساعون للكمال يجدون مشكلة في تقبل الخطأ، من أنفسهم أو من الآخرين، ويكون الخطأ في إعتقادهم هو خطأ في حد ذاته، لا يمكن أن يغتفر، و بالتالي يكون لديهم ميل إلى جلد الذات و الإحساس بالذنب، و يمتد اللوم و التأنيب ليصل الآخرين.
شعورهم بالخطأ يهز كيانهم و يشعرهم بعدم الأمان، فالشيء الذي يمنحهم الشعور بالقيمة في الحياة قد سلب منهم، وقد يلجأون للإنكار و تعليق الأخطاء على الآخرين حتى يرتاحون من شعورهم بالخطأ، فهم لا يحتملونه!
يشعر المحيطون بهم، أنهم يريدون التحكم بهم و السيطرة على مشاعرهم و تصرفاتهم، و قد يقابلوا هذا التحكم في كثير من الأحيان بالرفض و التمرد، أو بخضوع المضطرين الذي يخبئ تحته كره أو حقد دفين.
ما الحل؟ كيف أشعر بالقيمة دون السيطرة على زمام الأمور وتكون حياتي تستحق الحياة؟
إذا كنت من الساعين وراء الكمال (perfectionism) فيجب عليك أن تعلم جيدا:
- أن الكمال غاية لا تدرك، وسيظل السعي وراءه مجرد سعى، أما الكمال فهو لله وحده.
- جميل أن تقدم عملا يقترب من الكمال، جميل أن تكتسب ثقة الآخرين في عملك وفيك، لكن لا تجعل سعيك وراء الكمال يفقدك إستمتاعك بالعمل، و حبك للإبداع ، و تجربة الجديد، حتى لو إحتمل شيئا من الخطأ.
- الحقيقة أننا نتعلم من أخطائنا، و أن الخطأ ليس دليلا على الفشل، و لكن الخطأ هو ما يدلنا على النجاح في المرة القادمة.
- لا تكن قاسيا على نفسك، ولا تكن قاسيا على الآخرين، قد يفقدك سعيك وراء الكمال حب وتقدير الآخرين، فطرة الإنسان الحرية، لا يحب أن يملي عليه غيره التعليمات طيلة الوقت.
- إمتلك شجاعة أن تكون بشرا عاديا ( the courage to be imperfect) جانيت تيرنر.
- و أخيرا، حياتك لها قيمة حتى و لو أخطأت، فقط إعمل ما عليك و أترك الباقي لله، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وأيضا، قد جعل الله لكل شئ قدرا.
يتبع ان شاء الله
بعد ما قرأت المقال حسيت ان قربت احل مشكلتى مع نفسى جزاكى الله خير