“لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”
لتبلون قسم من الله العظيم بحدوث الإبتلاء أي أنه سوف يحدث لا محاله لكل مؤمن وهو ضروره للإختبار والتمحيص, وأوجه هذا الإبتلاء مختلفة قد يكون الإبتلاء في المال أو في النفس أو فيهما معا وقد يكون الإبتلاء أذى نفسي بسماع شئ مؤذي لقلوبنا وعقولنا وأنفسنا.
أزمتنا الحالية قد أثرت على أغلب سكان الأرض بألوان الإبتلاء المذكورة كلها:
أزمة إقتصادية عالمية
ركود في الحياة الإقتصادية بسبب الحظر في أغلب دول العالم لا بيع ولا شراء ولا إستيراد ولا تصدير.
إبتلاء في الأنفس
بفقدها تحت وطأه الوباء، العداد يحصي الأرقام، أصبحت تلك الأنفس بالنسبة لنا مجرد أرقام تحصى ولا تأمن نفس على نفسها هل يأتي رقمها أم لا؟
إبتلاء الأنفس ليس فقط في عدد الموتي والمصابين بل إنه في كل نفس حضرت هذا الزمان وحل عليها هذا الإختبار، ماذا كان فعلها ؟كيف أبلت في هذا الإمتحان؟
هل كانوا مثل تلك الأنفس اللتي ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا.
أم كانوا مثل تلك الأنفس التي جعلت صدورهم ضيقة حرجا كأنما تصعد في السماء.
أم كانوا من الأنفس التي جاهدت في الله فهداها سبلها, فأي نفس أنت…..أنتي ؟ و أى نفس أنا؟
اللهم إجعلنا من المهتدين
أذي نفسي
وهذ يبدو جليا في هذه الحرب النفسية الضروس التي يشنها أعداء الدين (وهم من كل دين ظاهرا) في تسميم أسماعنا وأذاهاننا وقلوبنا في هذا الوقت الدقيق والمصيري في حياتنا بألوان من الخداع والأكاذيب والملهيات والأخبار المغلوطة, فتارة بالفن الرخيص, وتارة بأبواق السحرة والمشعوذين , وتاره بالعمل علي إيصال شعور اليأس للناس وحضهم علي التراخي والإحباط (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
الآيه لم تقتصر علي وصف الحالة بل إمتدت إلي وصف الدواء ألا وهو الصبر والتقوي وألحق الله جل وعلا بهم الطريقة المثلى لإنجاز هذا الحل وإنجاح هذا الدواء ألا وهو العزم.
فلنتكلم قليلا عن هذا الدواء العجيب، نعلم أن الدواء قد يكون مرا أو لا تستحسنه النفس ولكنها ترغم نفسها عليه إرغاما نظرا لفائدته ورجاءا في الشفاء، وهذا الصبر صعب علي النفس البشرية والله يعلم هذا لكنه يريد أن يدربنا عليه ويعودنا عليه نظرا لأهميته في تزكية النفس وتطهيرها (ونفس وما زكاها) سبحانه هو أعلم بما يفيد نفوسنا ويزكيها ويجعلها ترقي للمستوي الذي تتلقي به الإيمان وتتلبس برداء المؤمنين ويكون صاحبها ذو قلب سليم، فأراد أن يعلمنا الصبر بالإبتلاء و دلنا على الطريقة التي تعيننا على هذا الصبر ألا وهو العزم.
أن تعزم علي شئ هو أن تعقد النية وتمضي قدما في فعل الأمر.
تذكر نفسك كيف ترغمها على شرب الدواء المر وأرغم نفسك على الصبر، يحتاج الأمر إلى عزيمه في أوله ثم يهون على من هونه الله عليه وأعانه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله.
ولنا في رسل الله قدوة حسنة ،أولوا العزم من الرسل(فإصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) وهم الذين صبروا على المشاق والصعاب في سبيل إعلاء كلمة الحق وإيصال رسالة الإسلام (إن الدين عند الله الإسلام).
ومن المعينات على الصبر عظم الأجر فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من ورائكم أيام الصبر, الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين منا. قالوا يا رسول الله أجر خمسين منهم أو خمسين منا؟ قال خمسين منكم.
خمسون أجر من أجور صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعينك على صعوبة الداء ومر الدواء، فاللهم صبرا وأجرا.
ولا ننسي التقوى فهي الدواء المكمل للصبر وبوجوده تكتمل الوصفة ويقوى الأثر.
والتقوى هي مرتبة من مراتب الإيمان وهي الإحسان في عباده الله عز وجل والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهكذا بالصبر والتقوى والإستعانة بالعزيمة لإستحضار هذه الصفات العظيمة تكون قد أديت مراد الله منك في هذا الإختبار ويمن الله عليك بالنجاح والفلاح وإجتياز الإبتلاء.
الله المستعان اللهم ارفع عنا البلاء